النص (يقول الشاعر):
كأن النجوم عيون الكلا ب تنهض في الأفق أو تنحدر !
******
تحليل الباحث/ تامر عبد الودود الأشعري
من الواضح أن الشاعر استقى التصوير في هذا البيت من البيئة التي يعيش فيها ، وقد بحثت عن البيت في مظانه المفترضة فلم أجده إلا في كتاب واحد لم يسم قائله ([1]).
وقد أودع الشاعر هذا البيت متناقضات كثيرة ، فالنجوم يضرب بها المثل في العلو والرفعة والشرف ، والكلاب يضرب بها المثل في الهوان والذلة والنجاسة والدناءة ، والنجوم علامات هداية ، والكلاب رمز الضلالة والانسلاخ من الهدى ، النجوم حرس للسماء من الشياطين ، والكلاب جنس من الشياطين ، بل هي ضعفة الجن ، ولعل في كل هذا يعكس صورة المجتمع المتناقض المتخبط بين أقواله وأفعاله !
وكأنه يقول : إن النجوم التي هي سلاح ضد الشياطين صارت عيونا للشياطين ، تصرفها في مراقبة الأخيار والانقضاض عليهم ؛ كما تصرف الكلاب عيونها في مطاردة الفرائس ، في الظلام الدامس ، وبذلك يشير إلى غياب حس العدالة لدى سادة القوم ومن يفترض فيهم الحكمة والفهم والتأثير الإيجابي ولكنهم يمارسون عكس ما تبوَّأوه من المراكز الاجتماعية !
وكأنه يصور علو وصفاء المظاهر مع خبث البواطن وسوداويتها ، فهو يبلور صورة المجتمع الغارق في نتن النفاق إلى أذنيه ، مع اتصاف بالشراهة الخلقية وحب الذات ، ومطل الحقوق ، لأن نعاس الكلب يضرب به المثل في المماطلة فيقال :" أمطل من نعاس الكلب" فلا خير في من يُدعون بسادة المجتمع سواء عليهم أتحركوا أم هم خامدون !
أو كأنه يقول: ليس هناك شيء جميل في الحياة ( النجوم) إلا ومعه من القبح (سواد الليل) مايكدر على المتأمل ذلك الحسن ، فمثله كمثل عيون الكلب لها بريق وبصيص ملفت للنظر ولكنك إذا استثبت من حاملهما (الكلب) انكسفت ملامح ذلك الاستحسان لذلك القبح ، وهذا تبديد لفكرة الكمال المطلق في حق من يدركه النقص من المخلوقات !
ولايخفى مافي البيت من تشاؤم وتطير بالليل ، وأنه أعطي حلة لايستحقها ( النجوم) كما أعطي الوحش في الفلاة عينين براقتين لاتستحقهما طباعه الوحشية ولامظهره المفزع ، فذلك مثل من يقلد الدر خنزيرا !
أو ربما هذا البيت تبرما بالحياة ومللا من سكونيتها ،فالليل عنده يقبل بنجومه دون أن يكون من ورائه شيء جديد نافع ، كالكلب الرابض الكسول الذي يمطله النوم أو هو يماطله ، فيرفع حاجبيه تارة ويخفضهما تارة ، فتنقضي اليوم والليلة ، وهو لا حرس ولا صاد !
وربم كان الشاعر يعيش فكرة المؤامرة ضده من قبل علية القوم المتسلطين على العقول التي تغلي تحتهم بمراجل الانقلاب والثورة فهم يراقبونه ويطاردون هواجسه ؛ مراقبة النجوم للكائنات في غسق الليل البهيم ، مثلها في ذلك مثل عيون الكلاب في تتبع الفريسة حتى اقتناصها !
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) قال صاحب المصباح المنير في غريب الشرح الكبير - (ج 1 / ص 178)
قَالَ الشَّاعِرُ : كَأَنَّ النُّجُومَ عُيُونُ الْكَلَا بِ تَنْهَضُ فِي الْأُفْقِ أَوْ تَنْحَدِرُ
أَيْ بَعْضُهُمَا يَطْلُعُ وَبَعْضُهَا يَغِيبُ وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى { فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } أَيْ جَاءَ بَأْسُنَا بَعْضَهَا لَيْلًا وَبَعْضَهَا نَهَارًا ...
إقرأ المزيد...
Résuméabuiyad